حدث في مثل هذا اليوم 3 سبتمبر 2025، توفي المناضل الريفي أحمد الزفزافي، والد قائد حراك الريف ناصر الزفزافي، بعد مسيرة نضالية وإنسانية امتدت لثمانين عامًا، جسّد خلالها صوت الريف الجريح وذاكرة المقاومة الممتدة منذ جمهورية الريف إلى حراك 2016.
وُلد أحمد الزفزافي سنة 1943 في قرية ازفزافن قرب أجدير بالحسيمة، ومنها استمدت عائلته لقبها. نشأ في وسط ريفي تقليدي، في كنف أسرة مقاومة: جده من الأم كان وزير الداخلية في جمهورية الريف بقيادة محمد عبد الكريم الخطابي، أما والده فكان أحد محرري مراسلات الخطابي أثناء النفي.
تلقى أحمد تعليمه الأولي بالحسيمة، ثم تابع دراسته في معهد القاضي عياض بتطوان، حيث شارك في الحركات الطلابية، واعتُقل لأول مرة سنة 1963 بسبب مظاهرة سياسية وتعرض للتعذيب. كما شارك في احتجاجات فترة “حرب الرمال” رفقة زملائه، وحوّلوا الشعارات المدرسية من دعم الحرب إلى انتقاد النظام، في زمن كانت فيه كل حركة معارضة تُكلف الكثير.
في سن السادسة عشرة، كان شاهدًا مباشرًا على المجازر التي ارتُكبت بحق الريفيين في انتفاضة 1958-1959، حيث اقتحم الجيش القرى، وارتكب جرائم من قتل واغتصاب ونهب للبساتين، وهي مشاهد ظلت محفورة في ذاكرته حتى وفاته. وقد كانت عائلته من ضحايا هذا القمع الدموي.
عمل لاحقًا مقتصدًا في دار الأطفال بالحسيمة، في مؤسسة اجتماعية تُعنى بالأيتام، ما رسّخ لديه الحس الإنساني والالتصاق بالطبقات المهمشة، وهو ما ظهر جليًا في نبرته الأبوية الصادقة خلال زياراته لابنه ناصر المعتقل، ومرافعاته الإعلامية والحقوقية لاحقًا.
ينحدر من عائلة نضالية بامتياز: شقيقه الأكبر محمد الزفزافي كان شخصية ثقافية وتربوية بارزة درس بالقاهرة، لكنه توفي في حادثة سير غامضة سنة 1972، رفقة زوجته وابنه.
بعد اعتقال ناصر الزفزافي في 2017، تحوّل أحمد الزفزافي إلى رمز أبوي وضمير حي لحراك الريف، وواصل النضال على المنابر الحقوقية والإعلامية، وظل صوتًا رزينًا وعميقًا في مواجهة الاستبداد.
في نهاية حياته، استمر في توثيق وترديد ذاكرة الريف ومآسيه، ورفض المساومة على كرامة المعتقلين. توفي في 3 سبتمبر 2025، عن عمر يناهز 82 عامًا، وترك وراءه إرثًا نضاليًا ووطنيًا لا يُنسى.
رحل أحمد الزفزافي، لكن صوته ظل يتردد في كل بيت ريفي:
لا كرامة بدون حرية، ولا حرية بدون عدالة، ولا عدالة بدون ذاكرة.