وفاة عموري مبارك

حدث في مثل هذا اليوم، 14 فبراير 2015، رحل عن عالمنا الفنان المبدع عموري مبارك، أحد أبرز المجددين في الأغنية الأمازيغية، عن عمر ناهز الستين عامًا. بفنه الاستثنائي وإبداعه الفريد، استطاع أن ينقل الموسيقى الأمازيغية إلى أفق أوسع، مزجًا بين الحداثة والأصالة، ليصبح رمزًا من رموز الأغنية الأمازيغية المعاصرة.
وُلد عموري مبارك سنة 1951 في قرية إرگيتن، الواقعة في نواحي تارودانت جنوب المغرب. كانت طفولته قاسية، حيث فقد والديه في سن مبكرة، ولم يكن له إخوة أو أقارب قريبون، مما جعله يكبر وحيدًا ويتيمًا في دار الأيتام. رغم الظروف الصعبة، استطاع أن يحقق تقدمًا ملحوظًا في دراسته، حيث تعلم اللغتين العربية والفرنسية، مما فتح له آفاقًا ثقافية واسعة ومكنه لاحقًا من التفاعل مع مدارس فكرية مختلفة.
بدأت رحلته مع الموسيقى مبكرًا، ففي سنة 1969 أسس أول فرقة موسيقية تغني باللغة الفرنسية، تأثر فيها بالموسيقى الغربية التي كانت تشهد ازدهارًا في تلك الفترة. لاحقًا، انتقل إلى أگادير حيث أسس فرقة أخرى، هذه المرة تغني باللغة العربية، لكن رغم نجاحه، لم يكن بعد قد أدرك الأهمية العميقة للغناء بلغته الأم، الأمازيغية.
لم يكن وعيه بأهمية الغناء بالأمازيغية حاضرًا في بداياته، لكنه بدأ يدرك ذلك في بداية السبعينات، عندما لاحظ أن الطلب على الأغاني الأمازيغية في الأعراس والمناسبات كان كبيرًا. في تلك الفترة، التقى بأعضاء جمعية البحث والتبادل الثقافي، وهي محطة مفصلية في حياته، حيث بدأ يدرك قيمة الهوية الأمازيغية وأهمية إعادة التواصل مع لغته الأم من خلال الموسيقى.
في هذه المرحلة، كان عموري مبارك يبحث عن هوية موسيقية متجددة، فقام بتأسيس فرقة “ؤسمان”، والتي سرعان ما أصبحت واحدة من أشهر الفرق الأمازيغية، حيث نالت العديد من الجوائز وشاركت في حفلات دولية، من بينها الأولمبياد في باريس، مما عزز من شهرة الأغنية الأمازيغية على المستوى العالمي. كانت هذه التجربة بداية تألقه الحقيقي، حيث أبدع في التلحين والغناء، وقدم أسلوبًا جديدًا في الموسيقى الأمازيغية يجمع بين الحداثة والتراث.
بعد تفكك مجموعة ؤسمان، واصل عموري مبارك مسيرته الفنية بمفرده، واستطاع أن يحقق نجاحًا باهرًا عبر أكثر من عشرة ألبومات، شكلت محطات هامة في تاريخ الأغنية الأمازيغية الحديثة. تميزت أعماله بالتنوع الموسيقي والشعري، حيث غنى لأبرز الشعراء الأمازيغ مثل:
علي صدقي أزايكو، أحد رواد الفكر الأمازيغي.
إبراهيم أخياط، المثقف والمناضل من أجل اللغة والثقافة الأمازيغية.
محمد مستاوي، الذي كان له تأثير كبير في الشعر الأمازيغي المعاصر.
أسلوبه الموسيقي وتفرده الفني
كان عموري مبارك فنانًا متكاملًا، حيث لم يقتصر على الغناء فحسب، بل كان ملحنًا بارعًا وعازفًا متمكنًا. كان أسلوبه الموسيقي مزيجًا بين:
الآلات الحديثة، مثل الغيتار، الذي استخدمه بمهارة في تجديد الأغنية الأمازيغية.
التأثيرات العالمية، حيث استلهم من الجاز والبلوز والموسيقى الغربية، مما جعل أغانيه تتسم بطابع عصري ومميز.
بفضل صوته الدافئ وأسلوبه الفريد، أصبح عموري مبارك رمزًا من رموز التجديد الموسيقي الأمازيغي، حيث ساهم في إحداث نقلة نوعية في الموسيقى الأمازيغية، وجعلها أكثر حداثة وانتشارًا دون أن تفقد جوهرها الأصيل. ألهمت تجربته العديد من الفنانين الشباب، وظل تأثيره حاضرًا في المشهد الموسيقي الأمازيغي حتى بعد رحيله.
في 14 فبراير 2015، فقدت الأغنية الأمازيغية أحد أبرز مبدعيها، حيث توفي عموري مبارك بعد صراع مع المرض، تاركًا خلفه إرثًا موسيقيًا خالدًا. لم يكن مجرد فنان عادي، بل كان حاملًا لمشروع ثقافي، ساهم من خلاله في ترسيخ الأغنية الأمازيغية في الساحة الفنية المغربية والدولية.
رحل عموري مبارك، لكنه ترك وراءه إرثًا فنيًا سيظل خالدًا في ذاكرة الأمازيغ والموسيقى العالمية. سيبقى صوته وألحانه تتردد في الأذهان، كأحد رموز الأغنية الأمازيغية الحديثة، التي نجحت في الانتقال من المحلية إلى العالمية، بفضل إبداعه ورؤيته الفنية المتجددة.
رحمه الله، وأسكنه فسيح جناته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *