حدث في مثل هذا اليوم 2 مايو 2007، توفي عبدالحميد البكوش، أحد أبرز رجال الدولة الليبيين في القرن العشرين، محامٍ ومثقف وشاعر، ورئيس وزراء ليبيا الأسبق، ومن أوائل الأصوات التي رفعت شعار “التلييب” أي تقديم ليبيا والهوية الليبية أولًا، في زمن كان فيه المد العروبي يطغى على كل الأصوات الأخرى.
وُلد عبدالحميد البكوش في مدينة طرابلس سنة 1932، وتلقى تعليمه فيها، قبل أن يسافر إلى مصر حيث نال شهادة الحقوق من جامعة القاهرة سنة 1959، تخصص في القانون والقانون الدولي، ليعود إلى بلاده مسلحًا بالعلم والفكر والانتماء الوطني.
انخرط في الحياة السياسية مبكرًا، حيث انتُخب عضوًا في مجلس النواب، وتولّى وزارة العدل سنة 1964. وفي سنة 1967 كلّفه الملك إدريس السنوسي بتشكيل الحكومة في لحظة كانت فيها ليبيا تعيش أقصى ضغوط المد القومي العروبي، فاختار أن يكون مختلفًا، مُقدِّمًا الهوية الليبية على الشعارات الفضفاضة، فكان أول من تحدث صراحة عن “التلييب”، داعيًا إلى ترسيخ الهوية الليبية وتعزيز استقلال القرار الوطني، وإعادة بناء العلاقات مع الشرق والغرب على أسس الندية والمصلحة الوطنية.
لكن دعوته تلك أغضبت التيارات البعثية والعروبية، فبدأت الهجمات السياسية والإعلامية ضده، واتُّهم بما ليس فيه، حتى اضطر إلى تقديم استقالته، رافضًا الخضوع للإملاءات القومية المستوردة، ومُصرًا على أن ليبيا ليست هامشًا لأجندات خارجية.
بعد انقلاب القذافي سنة 1969، كان البكوش من أشد المعارضين للنظام الجديد، وعُرف بمواقفه الوطنية الحادة والصريحة، ما عرضه للمطاردة، فغادر ليبيا ولجأ إلى مصر، وهناك تعرض لمحاولتي اغتيال، قبل أن ينتقل إلى الإمارات، حيث وجد الأمن والدعم من قادة الدولة الذين عرفوا قدره الفكري والسياسي.
ظل البكوش حتى آخر أيامه وفيًا لفكره وهويته الليبية، يكتب المقالات ويؤلف القصائد التي تحمل وجع الغربة وحب الوطن، وكان من أبرز الأصوات الليبية التي حاولت تحصين الشخصية الليبية من الذوبان في الخطابات العابرة للحدود.
رحل في مثل هذا اليوم، تاركًا خلفه إرثًا وطنيًا نادرًا، وشهادة على زمن خُيّر فيه الليبيون بين الصوت الحر والانقياد الأعمى.
رحمه الله رحمة واسعة.