صدور الظهير البربري

حدث في مثل هذا اليوم 16 مايو 1930 صدور ما يعرف بـ “الظهير البربري”، والذي يحمل في نصه الاسم الحقيقي “الظهير المنظم لسير العدالة في المناطق ذات الأعراف البربرية والتي لا توجد بها محاكم شرعية”. يعد هذا القانون واحدًا من أكثر المواضيع المثيرة للجدل في التاريخ المغربي، حيث تم ربطه بقضايا الانقسام المجتمعي وتغذية النعرات العرقية بين الأمازيغ والعرب في المغرب، بالرغم من أن تفاصيله وتاريخه الحقيقي لا علاقة له بتلك الأوصاف التي أُلصقت به.
خلفية تاريخية:
صدر هذا الظهير في ظل الحماية الفرنسية على المغرب، وتم توقيعه من طرف الملك محمد الخامس في 16 مايو 1930، دون أي استشارة للأمازيغ أو أخذ آرائهم في الاعتبار. الحقيقة التاريخية المؤكدة هي أن هذا الظهير لم يُكتب بأيادٍ أمازيغية، ولم يكن للأمازيغ دور في صياغته أو المصادقة عليه، بل كانت العملية برمتها تحت إدارة السلطات الفرنسية بغرض تنظيم العدالة في المناطق التي كانت خاضعة للأعراف الأمازيغية التقليدية منذ قرون.
أهداف الظهير المعلنة:
ينص الظهير على تنظيم القضاء في المناطق الأمازيغية وفقًا للأعراف المحلية، التي كانت سارية المفعول لقرون قبل مجيء الفرنسيين. كان الهدف المعلن منه هو:
تنظيم الملكية العقارية للأراضي القبلية.
إدارة النزاعات المحلية وفق العرف الأمازيغي.
تثبيت نظام سير العدالة خارج المحاكم الشرعية التقليدية.
الجدل السياسي والديني:
أصبح الظهير فيما بعد ورقة تُستعمل في النزاع السياسي والديني، حيث استغله القوميون العرب والإسلاميون للترويج لفكرة أنه كان معاديًا للإسلام، وأنه كان يهدف إلى “فصل الأمازيغ عن الدين الإسلامي” و”إرجاعهم إلى الجاهلية”، وهي اتهامات تفتقر إلى التوثيق التاريخي الدقيق. تحول هذا النص القانوني إلى رمز “الخيانة” في الخطاب القومي، وتمت شيطنة الأمازيغ عبر اتهامهم بأنهم داعمون للظهير، في حين أن الوثائق التاريخية تؤكد أن الأمازيغ لم يُستشاروا فيه مطلقًا، ولم يكن لهم دور في صياغته أو الموافقة عليه.
الواقع المخفي:
على عكس الصورة الشائعة، كان الظهير في الواقع مجرد إطار تنظيمي للأعراف الأمازيغية التي كانت موجودة ومطبقة منذ قرون، ولا يتعلق إطلاقًا بمحاولة “تقسيم المغرب” أو “معاداة الإسلام”. ولكنه استُخدم فيما بعد كأداة للضغط السياسي ضد الأمازيغ وإقصائهم من المشاركة الفعالة في القرار السياسي، تحت مسميات دينية وقومية.
الكتب والمراجع الهامة:
لمن أراد التوسع في هذا الموضوع، هناك عدة كتب سلطت الضوء على هذه الحقائق، ومن أبرزها:
محمد منيب – كتاب “الظهير البربري: الحقيقة الكاملة”.
محمد بودهان – كتاب “الأمازيغية في خطاب الإسلام السياسي”.
عبدالمطلب الزيزاوي – كتاب “السياسة الفرنسية في شمال إفريقيا”.
هذه الكتب تقدم قراءة تاريخية موضوعية بعيدة عن التوظيف السياسي، وتفكك الكثير من المغالطات التي رُوّجت حول هذا القانون، وتبرز كيف استُخدم كوسيلة لإقصاء الأمازيغ من المشهد السياسي تحت غطاء الدين.
خلاصة:
لم يكن “الظهير البربري” يومًا مشروعًا أمازيغيًا، بل كان صناعة فرنسية بحتة، وُقّع عليه دون علم أو استشارة القبائل الأمازيغية. ومع ذلك، تم توظيفه سياسيًا لشيطنة كل ما هو أمازيغي، وهو ما مهد لتهميش الأمازيغ وقمع حقوقهم الثقافية والسياسية في المغرب لفترات طويلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *