حدث في مثل هذا اليوم 5 يوليو 1938، صدر العدد الأول من جريدة “الفرقان”، إحدى أبرز الصحف التي أسسها الشيخ أبو اليقظان إبراهيم، أحد أعمدة الصحافة الإصلاحية والمقاومة الفكرية في الجزائر إبان الاستعمار الفرنسي.
صوت الحق في وجه القمع
لم تعمّر جريدة “الفرقان” طويلًا، إذ لم يصدر منها سوى ستة أعداد فقط، قبل أن تُصادر بقرار وزاري من الإدارة الاستعمارية الفرنسية يوم 3 أغسطس 1938، في محاولة لإسكات صوتها الجريء الذي كان يفضح السياسات الفرنسية ويُعبّر عن هوية الشعب الجزائري ومطالبه في الحرية والعدالة.
ورغم قصر عمرها، شكّلت “الفرقان” صدى عميقًا في الأوساط المثقفة والوطنية، خاصة لما حملته من روح إصلاحية دينية، وأصالة لغوية، وجرأة سياسية قلّ نظيرها، في وقت كانت فيه فرنسا تمارس قمعًا شديدًا لأي صوت غير منسجم مع مشروعها الاستعماري التغريبي.
أبو اليقظان… صحفي المقاومة والكلمة الحرة
الشيخ أبو اليقظان إبراهيم (1891–1973)، من مواليد مدينة غرداية، هو من أبرز الصحفيين والكتّاب والمفكرين الإصلاحيين في الجزائر خلال القرن العشرين.
أسس أكثر من 15 صحيفة ما بين 1926 و1940، منها: وادي ميزاب، النور، الأمة، الفرقان، البستان، وغيرها. كلها كانت منابر للأمة الجزائرية، وللهوية الإسلامية والأمازيغية، وللدفاع عن قيم الإصلاح والمقاومة.
عرف بموقفه الصارم من فرنسا الاستعمارية، ودعوته الدائمة للتعليم، والهوية، والعودة إلى أصول الإسلام الصافية، وارتبط اسمه بالحركة الإباضية في الجنوب الجزائري، حيث كان صوتها البارز في الصحافة والدين والفكر.
الفرقان… عنوان رمزي
اختيار اسم “الفرقان” لم يكن عبثًا، فالاسم يُحيل إلى التمييز بين الحق والباطل، كما في الآية القرآنية: “تبارك الذي نزّل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرًا”.
وكان الشيخ يرى أن الصحافة الحرة هي “فرقان” الأمة، ووسيلتها لتمييز طريق التحرر عن دروب التبعية.
رغم المنع والمصادرة، ظل أبو اليقظان وفكر “الفرقان” حيًّا في الذاكرة الجزائرية، وامتد تأثيره إلى كل من حمل القلم في وجه الظلم، سواء في الجزائر أو في شمال إفريقيا عمومًا.
وفي ذكرى صدور أول عدد من “الفرقان”، نستحضر دور الكلمة الصادقة كأداة للمقاومة والتحرير وصناعة الوعي الجمعي، في زمن كان فيه الحديث عن الحرية جريمة في عرف المستعمر.
الفرقان لم تكن مجرد صحيفة، بل كانت درسًا في الشجاعة، ودليلًا على أن مقاومة الاحتلال لا تبدأ بالبندقية، بل تبدأ بالفكرة والكلمة والهوية.