حدث في مثل هذا اليوم 31 مارس 1950، وُلد الفكاهي والممثل الأمازيغي محمد سعيد فلاق (يُكتب أحيانًا فلاك أو Fellaq)، في قرية آيت إلول بمنطقة أزفون في القبائل الكبرى، قبل أن تستقر عائلته لاحقًا في باب الواد بالعاصمة الجزائرية. نشأ فلاق في بيئة شعبية مشبعة بالحياة اليومية الصاخبة، التي ستصبح لاحقًا مصدر إلهامه وأدواته الفنية.
درس الفنون الدرامية في برج الكيفان، وهناك أسس أول فرقة مسرحية أمازيغية مع رفاقه، وقدمت عملًا وحيدًا بالأمازيغية، لكن المشروع توقف سريعًا بسبب العراقيل البيروقراطية، خاصة من وزارة الشباب والرياضة. خابت آمال فلاق في المشهد المسرحي الرسمي، فقرر الهجرة باحثًا عن الأفق الأوسع.
استقر في مونتريال (كندا) لثلاث سنوات، عمل خلالها في مهن بسيطة لا علاقة لها بالفن، وعانى من إحساس دائم بعدم الاستقرار، كما قال لاحقًا. ثم هاجر مجددًا إلى باريس سنة 1982، لكنه واجه إخفاقات كثيرة هناك، مما دفعه للعودة إلى الجزائر.
في 1987، عاد فلاق إلى المسرح الوطني، وبدأت تظهر بوادر نجاحاته. وبعد مظاهرات أكتوبر 1988، قرر خوض تجربة مسرح الـ”وان مان شو”، وكان ذلك نقطة التحول الحقيقية في مسيرته. لاقت مسرحيته الشهيرة “بابور حتى أسترالية” نجاحًا باهرًا، حيث قدم فيها نقدًا اجتماعيًا لاذعًا من خلال شخصية الشاب الجزائري الحالم بالهجرة إلى “الفردوس الأسترالي”، بأسلوب هزلي ساخر يحمل أبعادًا فلسفية عميقة.
واصل فلاق تألقه، حتى أصبح مديرًا للمسرح الجهوي في بجاية، لكن تدهور الوضع الأمني والعنف المتصاعد في الجزائر دفعه للرحيل مجددًا. توجه إلى تونس بعد تلقيه عرضًا للعمل كأستاذ مسرح، ومنها إلى فرنسا عام 1994، وهناك شارك في فيلم “صبي الشُعبة” للمخرج روجي كريستوف، مؤديًا دورًا مأساويًا عنيفًا كشف عن وجهه الآخر كممثل درامي.
في فرنسا، أصبح فلاق أستاذًا للمسرح، ونال مكانة مرموقة في الوسط الثقافي. كتب العديد من المسرحيات، كما نشر أول رواية له بعنوان “شارع صغار المرجان”، ومجموعة قصصية قصيرة تناول فيها مواضيع الغربة والهجرة والمجتمع.
تميّز محمد سعيد فلاق بأسلوب فريد في الضحك على المآسي، إذ مزج بين الأمازيغية، والدارجة الجزائرية، والفرنسية في عروضه، وقدّم نقدًا اجتماعيًا عميقًا في قالب بسيط وساخر، بعيدًا عن الابتذال الذي يغلب على بعض عروض الكوميديا في المهجر.
نال الجائزة الفرنسية الكبرى للنقد سنة 1997، ثم جائزة أخرى في 1998، تأكيدًا على القيمة الفكرية والفنية التي تميز بها.
فلاق ليس مجرد فكاهي، بل هو ضمير فني ناقد، استطاع أن يمزج بين الكوميديا والفلسفة، بين الضحك والحقيقة، في مسيرة فنية خلدته كأحد أبرز رموز المسرح الأمازيغي والجزائري المعاصر.