حدث في مثل هذا اليوم 1 يونيو 1959 صدور أول دستور تونسي بعد الاستقلال، وهو الدستور الذي شكّل الإطار القانوني للجمهورية التونسية الفتية بقيادة الحبيب بورقيبة، بعد نيل البلاد استقلالها عن فرنسا سنة 1956.
جاء دستور 1959 ليؤسس لنظام جمهوري، ويحدّد سلطات الدولة، ويعلن الحقوق والواجبات، لكنه في الحقيقة كرّس سلطة رئاسية مركزية قوية، فتحت الباب لاحقًا لحكم الفرد وتهميش التعددية، رغم بعض المكاسب القانونية والاجتماعية التي أُدرجت فيه، خاصة فيما يتعلق بحقوق المرأة والتعليم.
ومن المفارقات التاريخية أن تونس كانت قد شهدت أول دستور مكتوب سنة 1861 في عهد أحمد باي، وهو دستور يُعدّ الأول في العالم العربي والإسلامي، وقد احتوى على مبادئ تفوق في روحها الليبرالية والقانونية ما جاء في دستور 1959، من حيث الفصل بين السلطات وضمان بعض الحقوق المدنية. غير أن هذا الدستور لم يُفعّل عمليًا وتم إجهاضه بعد سنوات قليلة.
أما بعد الثورة التونسية سنة 2011، فقد أُنجز دستور جديد سنة 2014، ثم تم إلغاؤه لاحقًا بقرارات انفرادية، ليُطرح دستور 2022 في عهد الرئيس قيس سعيد، والذي يعتبره كثيرون تراجعًا خطيرًا في مسار الديمقراطية والحريات، حيث أعاد تركيز السلطات في يد الرئيس وقلّص من استقلالية الهيئات والمؤسسات، ما دفع البعض إلى وصفه بأسوأ من كل ما سبقه.
ومن هنا تبدو المفارقة حادة: بدل أن تسير الدساتير نحو الانفتاح والتعددية، اتجهت في تونس تدريجيًا نحو الانغلاق وترسيخ الحكم الفردي، مع تجاهل واضح للبعد الهوياتي الأمازيغي، رغم أن البلاد تقع في قلب شمال إفريقيا الأمازيغية.
وفي المقابل، ورغم هذه الانتكاسات، يُعدّ الدستور التونسي من أفضل الدساتير التقديمية في شمال إفريقيا، خاصة في مواده المتعلقة بالحريات العامة وحقوق المرأة، لكنه يبقى ناقصًا جوهريًا بسبب غياب الاعتراف الحقيقي بالمكون الأمازيغي للبلاد، وهو ما يتطلب استمرار النضال من أجل الإنصاف الدستوري واللغوي والثقافي، في وجه أنظمة عروبية فاشية تُقصي التنوع وتطمس الجذور.