اليوم العالمي للجبال والأمازيغ

يُحتفل باليوم العالمي للجبال في 11 ديسمبر من كل عام، وهو مناسبة تُخصص للاعتراف بأهمية الجبال في حياتنا وضرورة الحفاظ على نظمها البيئية. في هذا السياق، يُعتبر الأمازيغ من أبرز الشعوب التي ارتبطت تاريخيًا بالمناطق الجبلية في شمال أفريقيا، حيث استوطنوا مناطق تمتد من واحة سيوة في مصر إلى جزر الكناري، ومن ساحل البحر الأبيض المتوسط شمالًا إلى أعماق الصحراء الكبرى جنوبًا.
تُعد الجبال موطنًا رئيسيًا للأمازيغ، حيث استقروا في سلاسل جبلية مثل الأطلس الكبير والمتوسط والصغير في المغرب، وجبال جرجرة والأوراس في الجزائر، وجبال نفوسة في ليبيا وجبال دمر في جنوب تونس. هذه المناطق الجبلية لم تكن مجرد موطن لهم، بل شكلت جزءًا أساسيًا من هويتهم الثقافية والاجتماعية. فقد طوّر الأمازيغ نظمًا زراعية تتكيف مع التضاريس الجبلية، مثل زراعة الحبوب والفواكه وتربية الماشية، مما ساهم في استدامة مجتمعاتهم عبر القرون.
بالإضافة إلى ذلك، لعبت الجبال دورًا حاسمًا في حماية الأمازيغ من الغزوات الخارجية، حيث وفرت لهم ملاذًا آمنًا ومكنتهم من الحفاظ على لغتهم وثقافتهم وتقاليدهم. كما أن التنوع البيئي في المناطق الجبلية ساهم في تنوع ثقافتهم، حيث انعكس ذلك في فنونهم وموسيقاهم وأزيائهم التقليدية.
منذ القدم، كانت الجبال موطنًا طبيعيًا للأمازيغ، ورسوم أكاكوس القديمة في الصحراء الليبية تؤكد أن هذه التضاريس كانت جزءًا من حياتهم اليومية منذ آلاف السنين. تلك العزلة الجغرافية التي وفرتها الجبال لعبت دورًا رئيسيًا في الحفاظ على اللغة الأمازيغية وثقافتها. ففي الوقت الذي تعرضت فيه الهوية الأمازيغية لمحاولات الطمس والانصهار الثقافي، كانت الجبال ملاذًا آمنًا يحافظ على الخصوصية اللغوية والتراثية.
على مر العصور، جعل الأمازيغ من الجبال بيئة ملائمة للعيش رغم صعوبتها، فحولوا أراضيها إلى مدرجات زراعية منتجة، وطوروا نظم ري ذكية تلائم التضاريس الوعرة. بذلك، أصبحت الجبال مركزًا للحياة الاقتصادية والاجتماعية، تقدم الغذاء والملجأ لسكانها، وتحتضن التراث الثقافي واللغوي الذي ظل صامدًا رغم التحديات.
في ليبيا، كانت جبال نفوسة معقلًا للحركات الوطنية الأمازيغية، حيث دافع سكانها ببسالة عن طرابلس في عهد الباروني، وكانت شاهدة على صمود الشعب الليبي أمام محاولات الاحتلال والإخضاع. وبالمثل، لم يستطع العثمانيون فرض سيطرتهم الكاملة على سكان الجبال الليبية حتى منتصف العهد العثماني الثاني، ما يُظهر قوة السكان وصلابة إرادتهم ومن نفوسة انطلقت ثورة فبراير لتحرير طرابلس من القذافي.
في المغرب، كانت الجبال تُعرف بأنها “الأرض غير المخزنية”، إذ لم تخضع مناطق مثل الأطلس وسوس لسلطة المخزن إلا بعد جهود شاقة. سكان الجبال هناك استثمروا التضاريس القاسية لتحويلها إلى جنان زراعية تنتج الحبوب والفواكه وتوفر حياة كريمة، رغم صعوبة الزراعة.
الجبال أيضًا كانت ساحة لحروب التحرير الكبرى، حيث لجأ إليها القائد التاريخي يوغرطة لتحصين قواته ضد الغزو الروماني، ومنها خرجت ثورة فيرموس ضد البيزنطيين. في المغرب، كانت جبال الريف مركزًا لثورة عبد الكريم الخطابي، الذي ألحق هزائم نكراء بالإسبان وابتكر استراتيجيات حرب العصابات التي ألهمت حركات التحرير العالمية. وفي الجزائر، كانت الأوراس وجرجرة موطنًا للمقاومة المسلحة ضد الاستعمار الفرنسي، حيث برزت شخصيات مثل لالة فاطمة نسومر التي قادت مقاومة بطولية. من الأوراس انطلقت شرارة تحرير الجزائر من ربقة الاستعمار الفرنسي.
في الوقت الحاضر، تواجه المناطق الجبلية تحديات بيئية كبيرة، مثل التغير المناخي والتصحر وفقدان التنوع البيولوجي. هذه التحديات تؤثر بشكل مباشر على المجتمعات الأمازيغية التي تعتمد على الموارد الجبلية في معيشتها. لذلك، يُعتبر اليوم العالمي للجبال فرصة للتأكيد على أهمية حماية هذه النظم البيئية ودعم المجتمعات التي تعيش فيها.
ختامًا، يُمثل ارتباط الأمازيغ بالجبال نموذجًا للتعايش المستدام بين الإنسان والبيئة. ومن خلال فهم هذا الارتباط، يمكننا استلهام الدروس في كيفية الحفاظ على النظم البيئية الجبلية وتعزيز التنمية المستدامة فيها وفي يومنا هذا، ورغم تغير الظروف، تظل الجبال رمزًا للصمود والثبات. إنها ليست مجرد تضاريس طبيعية، بل شاهد حي على تاريخ الأمازيغ، وموطن لتراثهم الذي يربطهم بجذورهم العميقة ويعزز هويتهم المستقلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *