اغتيال عباس لمساعدي قائد جيش التحرير المغربي

حدث في مثل هذا اليوم 27 يونيو 1956، تم اغتيال القائد الثوري عباس مساعدي (واسمه الحقيقي: محمد بن الطاهر بن علي) في ظروف غامضة ومثيرة للجدل، في واحدة من أوائل حلقات التصفية السياسية التي عرفها المغرب عقب استقلاله الشكلي عن الاستعمار الفرنسي.

مسيرته الثورية:

وُلد عباس مساعدي سنة 1925 في قرية أولاد علي بومساعد، من قبيلة تادارت، نواحي تازارين بإقليم زاكورة. انخرط مبكرًا في النضال الوطني، وكان في البداية عضوًا في حزب الاستقلال، إلا أنه انسحب منه في بداية الخمسينات بسبب اختلافات جوهرية في النهج والرؤية، خصوصًا ما تعلق بالتعامل مع القوى الاستعمارية.

شارك في مظاهرات مساندة للشعب التونسي وتنديدًا باغتيال النقابي فرحات حشاد، وسُجن إثرها، وبعد خروجه التحق بصفوف جيش التحرير المغربي، وتمركز في منطقة الريف، حيث شكّل هناك إحدى أقوى جبهات المقاومة المسلحة ضد الاستعمار الفرنسي، وخاض عدة عمليات بطولية أرّخت لمرحلة مفصلية من تاريخ الكفاح التحرري بالمغرب.

اغتياله ودفنه:

تم اغتياله بشكل غادر، وسط شبهات تحوم حول تورط القصر الملكي وبعض قيادات حزب الاستقلال، خصوصًا أن وجوده وقوة نفوذه في الريف كانت تشكل تهديدًا مباشرًا للنفوذ السياسي المركزي الناشئ في الرباط.

بعد اغتياله، دُفن أولًا في فاس، لكن رفاقه في جيش التحرير رفضوا بقاء جثمانه الطاهر في مدينة المتهمين بقتله، وتم نقله لاحقًا ودفنه في أكنول، ثم أجدير، معقل محمد بن عبد الكريم الخطابي، الذي استقبله في مصر من قبل، وأعطاه التحية العسكرية، معتبرًا إياه خليفته في الريف، وواحدًا من أنبل المقاومين.

الأبعاد السياسية لاغتياله:

اغتيال مساعدي لم يكن معزولًا، بل جاء في سياق حملة تصفية منهجية للقيادات الوطنية الميدانية، التي رفضت تحويل “الاستقلال” إلى صفقة بين القصر والمستعمر. ويُنظر إلى مساعدي كرمز للنزاهة الوطنية والموقف المبدئي، ولهذا بقي اغتياله إلى اليوم جريمة سياسية بامتياز، ما زالت أسراره طي الكتمان.

يقول فيه أحد رفاقه:

اغتيل لأنه لم يكن من الحركيين الجدد الذين سطا بهم القصر على ثمار المقاومة.

إرثه:

رغم أن حياته كانت قصيرة، فإن أثره ما زال كبيرًا في ذاكرة الريف والمغرب التحرري. يُعد مساعدي من أوائل من بشروا بمغربٍ تحرري شعبي حقيقي، قبل أن يُسرق المشروع وتُغتال رموزه.

رحم الله عباس مساعدي، شهيد الوطن المسلوب، وصوت الريف الصادق الذي أرعب الخونة أكثر مما أرعب الاستعمار.

سوف نعود لاحقًا، بإذن الله، إلى استعراض جوانب أخرى من حياته ومسيرته ومراسلاته السياسية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *