حدث في مثل هذا اليوم 19 أبريل 1935، توفي الفقيه والعالم المتصوف الشيخ عبد الرحمن بن محمد بن قاسم الأخضري البوصيري، أحد أعلام مدينة غدامس، وواحد من أبرز علماء الجنوب الليبي في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، وقد خلّف أثرًا علميًا وروحيًا بارزًا في مجاله، جمع فيه بين الفقه، التصوف، القضاء، والتأليف.
النشأة والتعليم
-
وُلد الشيخ عبد الرحمن الأخضري البوصيري سنة 1842 بمدينة غدامس، وهي المدينة المعروفة عبر التاريخ بالعلم، وحفظ القرآن، وتعدد الزوايا العلمية.
-
حفظ القرآن الكريم مبكرًا، وتلقى علومه على يد شيوخ المدينة الكبار، ولازمهم حتى نال شهادة الثقة العلمية، ليُصبح من أبرز فقهاء عصره في المذهب المالكي.
القضاء والإصلاح
-
تولى القضاء في الزاوية الغربية ثم في النواحي الأربعة التابعة لغدامس، وكان مرجعًا علميًا ودينيًا معروفًا على مستوى المنطقة.
-
عُرف بـنزاهته وعلو همته، مما جعل منه ملجأً للفصل في النزاعات، ومصدرًا للفتوى والتوجيه الروحي.
-
استمر في عمله القضائي والعلمي حتى خلال فترة الاحتلال الإيطالي، بالرغم من المضايقات المتكررة من سلطات الاستعمار، إلا أنه ظلّ ثابتًا على نهجه الإصلاحي والديني، مما أكسبه احترامًا واسعًا بين الناس.
مكتبته ومكانته العلمية
-
يُقال إنه كان يمتلك في عصره أكبر مكتبة مخطوطات في غدامس، وهي مكتبة كانت تحوي نفائس كتب الفقه، الحديث، النحو، البلاغة، والتصوف.
-
تُعد مكتبته اليوم، إن تم استرجاعها أو ما بقي منها، كنزًا تراثيًا وعلميًا فريدًا في تاريخ ليبيا.
مؤلفاته
ألّف الشيخ عبد الرحمن البوصيري عدة كتب في المذهب المالكي وعلوم الحديث، ومن أشهرها:
-
فاكهة اللب المصون على الجوهر المكنون – شرح متين وعلمي على نظم بلاغي.
-
الدرر المجنية في حديث خير البرية – جمع وتحقيق لعدد من الأحاديث النبوية مع تعليقات فقهية.
-
الجواهر الزكية في حديث خير البرية – أحد كتبه المشهورة في الحديث والشرح.
آل البوصيري في غدامس
-
ينتمي الشيخ إلى عائلة البوصيري، وهي عائلة علمية كبيرة ومشهورة في غدامس، خرج منها علماء، قضاة، ومصلحون.
-
وسوف نأتي لاحقًا على ذكر أحد أبنائها البارزين أيضًا، وهو البوصيري الآخر، صاحب أول جريدة وطنية ليبية.
الختام
رحم الله الشيخ عبد الرحمن بن محمد بن قاسم الأخضري البوصيري، فقد كان نموذجًا نادرًا للعالم العامل، والمصلح الثابت على المبادئ، والمدافع عن قيم العلم والعدل والتصوف النقي.
ولا تزال غدامس تحتفظ بذكراه، شاهدة على زمن كان فيه العلم مرجعًا، والقضاء أمانة، والتصوف سموًا روحيًا لا خرافة فيه.